استاد عندلیب همدانی
🔹در ادامهٔ بحث با مرحوم مقرم ( اعلی الله مقامه الشریف) و در جهت تثبیت و تأیید و تکمیل مناقشات بر ایش
عثرة التأريخ لقد كان من نفوذ بصيرة العبّاس أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه، والجهاد البالغ حدّه، حتّى راقه أن يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج، والدعوة إلى السعادة الخالدة في رضوان اللّه الأكبر، وأن يحظى بأُجور الصابرين، على ما يَلمّ به من المصاب بفقد الأحبة، فدعا أُخوته من أُمه وأبيه وهم " عبد اللّه، وجعفر، وعثمان " وقال لهم: " تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله، فإنّه لا ولد لكم فإنّه أراد بذلك تعريف أُخوته حقّ المقام، وأنّ مثولهم بهذا الموقف لم يكن مصروفاً إلاّ إلى جهة واحدة وهي: المفادات والتضحية في سبيل الدين، إذ لم يكن لهم أي شائبة أو شاغلة تلهيهم عن القصد الأسنى من عوارض الدنيا، من مراقبة أمر الأولاد بعدهم، ومَن يرأف بهم ويربيهم، فاللازم حينئذ السير إلى الغاية الوحيدة وهي: الموت دون حياة الشريعة المقدّسة، فكانوا كما شاء ظنّه الحسن بهم، حيث لم يألوا جهداً في الذب عن قدس الدين، حتّى قضوا كراماً متلفّعين بدم الشهادة لكن هلمّ واقرأ العجيب الغريب فيما ذكر ابن جرير الطبري في التاريخ ..قال: " وزعموا أنّ العبّاس بن علي قال لأخوته من أُمّه وأبيه عبد اللّه وجعفر وعثمان: يا بني أُمي تقدّموا حتّى أرثكم، فإنّه لا ولد لكم، ففعلوا وقتلوا . وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين: " قدّم أخاه جعفر بين يديه، لأنّه لم يكن له ولد ليحوز ميراثه العبّاس، فشدّ عليه هاني بن ثبيت فقتله وفي مقتل العبّاس قال: " قدّم أُخوته لأُمه وأبيه، فقتلوا جميعاً، فحاز مواريثهم، ثُمّ تقدّم وقتل فورثهم وإياه عبيد اللّه، ونازعه في ذلك عمّه عمر بن علي، فصولح على شيء رضي به . هذا غاية ما عندهما، وقد تفرّدا به من بين المؤرّخين وأرباب المقاتل، ولا يخفى على من له بصيرة وتأمّل بعده عن الصواب. وما أدري كيف خفي عليهما حيازة العبّاس ميراث أُخوته مع وجود أُمهم أُم البنين، وهي من الطبقة المتقدّمة على الأخ، ولم يجهل العبّاس شريعة تربّى في خلالها؟! على أنّ هذه الكلمة لا تصدر من أدنى الناس، سيّما في ذلك الموقف الذي يذهل الواقف عن نفسه وماله، فأيّ شخص كان يدور في خُلدهِ ذلك اليوم حيازة المواريث بتعريض ذويه وأخوته للقتل؟! وعلى الأخصّ يصدر ذلك من رجل يعلم أنّه لا يبقى بعدهم ولا يتهنّأ بمالهم، بل يكون فعله لمحض أن تتمتّع به أولاده. بئست الكلمة القبيحة التي راموا أن يلوثّوا بها ساحة ذلك السيّد الكريم. فهل ترغب أنت أن يقال لك: عرضت أُخوتك وبني أُمك لحومة الوغى لتحوز مواريثهم؟! أم أنّ هذا من الدناءة والخسّة، فلا ترضاه لنفسك، كما لا يرغب به سوقة الناس وأدناهم، فكيف ترضى أيّها المنصف ذلك لمن علّم الناس الشهامة وكرم الأخلاق، وواسى حجّة وقته بنفسه الزاكية؟! وكيف ينسب هذا لخرّيج تلك الجامعة العُظمى، والمدرسة الكبرى، جامعة النبّوة، ومدرسة الإمامة، وتربّى بحجر أبيه، وأخذ المعارف منه ومن أخويه الامامين؟! ولو تأمّلنا جيداً في تقديمه إياهم للقتل لعرفنا كبر نفسه، وغاية مفاداته عن أخيه السبط، فلذة كبد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومهجة البتول، فإنّ من الواضح البيّن أنّ غرضه من تقديمهم للقتل: 1 ـ إمّا لأجل أن يشتدّ حزنه، ويعظم صبره، ويرزأ بهم، ويكون هو المطالب بهم يوم القيامة، إذ لا ولد لهم يطالبون بهم. 2 ـ وإمّا لأجل حصول الاطمئنان والثقة من المفادات دون الدين، أمام سيّد الشهداء، ويشهد له ماذكره الشيخ المفيد في الإرشاد، وابن نما في مثير الأحزان من قوله لهم: " تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله، فإنّه لا ولد لكم "، ولم يقصد بهم المخايل، وإنمّا رام أبو الفضل أن يتعرّف مقدار ولائهم لقتيل العبرة. وهذا منه (عليه السلام) إرفاق بهم، وحنان عليهم، وأداء لحقّ الأُخوة بإرشادهم إلى ما هو الأصلح لهم. ـ وإمّا لأجل أن يكون غرضه الفوز بأجر الشهادة بنفسه، والتجهيز للجهاد بتقديم أُخوته ليثاب أيضاً بأجر الصابرين، ويحوز كلتا السعادتين، وربما يدلّ عليه ماذكره أبو الفرج في مقتل عبداللّه من قول العبّاس له: " تقدّم بين يدي حتّى أراك قتيلاً واحتسبك، فكان أول من قتل من أُخوته. وذكر أبو حنيفة الدينوري أنّ العبّاس قال لأُخوته: " تقدموا بنفسي أنتم وحاموا عن سيّدكم حتّى تموتوا دونه، فتقّدموا جميعاً وقتلوا ".👇 🆔@andalibhamedani