والإرهاب بإعداد القوة ، وإن كان في نفسه من الأغراض الصحيحة التي تتفرع عليها فوائد عظيمة ظاهرة غير أنه ليس تمام الغرض المقصود من إعداد القوة ، ولذلك أردفه بقوله : « وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ » ليدل على جماع الغرض. وذلك أن الغرض الحقيقي من إعداد القوى هو التمكن من الدفع مبلغ الاستطاعة ، وحفظ المجتمع من العدو الذي يهدده في نفوسه وأعراضه وأمواله ، وباللفظ المناسب لغرض الدين إطفاء نائرة الفساد الذي يبطل كلمة الحق ويهدم بنيان دين الفطرة الذي به يعبد الله في أرضه ويقوم ملاك العدل في عباده. وهذا أمر ينتفع به كل فرد من أفراد المجتمع الديني فما أنفقه فرد أو جماعة في سبيل الله ، وهو الجهاد لإحياء أمره فهو بعينه يرجع إلى نفسه وإن كان في صورة أخرى فإن أنفق في سبيله مالا أو جاها أو أي نعمة من هذا القبيل فهو من الإنفاق في سبيل الضروريات الذي لا يلبث دون أن يرجع إليه نفسه نفعه وما استعقبه من نماء في الدنيا والآخرة ، وإن أنفق في سبيله نفسا فهو الشهادة في سبيل الله التي تستتبع حياة باقية خالدة حقة لمثلها فليعمل العاملون لا كما يغر به آحاد الفادين في سبيل المقاصد الدنيوية ببقاء الاسم وخلود الذكر وتمام الفخر فهؤلاء وإن تنبهوا اليوم لهذا التعليم الإسلامي ، وأن المجتمع كنفس واحدة تشترك أعضاؤها فيما يعود إليها من نفع وضرر لكنهم خبطوا في مسيرهم واشتبه عليهم الأمر في تشخيص الكمال الإنساني الذي لأجله تندبه الفطرة وتدعوه إلى الاجتماع ، وهو التمتع من الحياة الدائمة ، فحسبوه الحياة الدنيا الدائرة فضاق عليهم المسلك في أمثال التفدية بالنفس لأجل تمتع الغير بلذائذ المادة. وبالجملة فإعداد القوة إنما هو لغرض الدفاع عن حقوق المجتمع الإسلامي ومنافعه الحيوية ، والتظاهر بالقوة المعدة ينتج إرهاب العدو ، وهو أيضا من شعب الدفع ونوع معه ، فقوله تعالى : « تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ » إلخ يذكر فائدة من فوائد الإعداد الراجعة إلى أفراد المجتمع ، وقوله : « وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ » يذكر أن ما أنفقوه في سبيله لا يبطل ولا يفوت بل يرجع إليهم من غير أن يفوت عن ذي حق حقه. وهذا أعني قوله : « وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ » إلخ أعم فائدة من مثل قوله : « وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ » البقرة : ـ ٢٧٢ فإن الخير منصرف إلى المال فلا يشمل النفس بخلاف قوله هاهنا : « وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ ».