و تجتمع فيها الأهواء و السير كلها، فلذلك ليس يمتنع إذا تمادى الزمان بها أن ينشأ فيها الأفاضل، فيتفق فيها وجود الحكماء و الخطباء و الشعراء في كل ضرب من الأمور و يمكن أن يلتقط منها أجزاء للمدينة الفاضلة، و هذا من خير ما ينشأ في هذه المدينة. و لهذا صارت هذه أكثر المدن الجاهلة خيرا و شرا معا، و كلما صارت أكبر و أعمر و أكثر أهلا و أخصب و أكمل للناس كان هذان أكثر و أعظم و المقصود بالرئاسات الجاهلة هو على عدد المدن الجاهلة، فإن كل رئاسة جاهلة إما أن يكون القصد بها إما التمكن من الضروري و إما اليسار و إما التمتع باللذات و إما الكرامة و الذكر و المديح و إما الغلبة و إما الحرية فلذلك صارت هذه الرئاسات تشرى شراء بالمال، و خاصة الرئاسات التي تكون في المدينة الجماعية. فإنه ليس أحد هناك أولى بالرئاسة من أحد فمتى سلمت الرئاسة فيها إلى أحد فإما أن يكون أهلها متطوّلين بذلك عليه و إما أن يكون قد أخذوا منه أموالا أو عوضا آخر و الرئيس الفاضل عندهم هو الذي يقتدر على جودة الروية و حسن الاحتيال فيما ينيلهم شهواتهم و أهواءهم على اختلافها و تفننها، و يحفظهم على ذلك من أعدائهم، و لا يرزأ من أموالهم شيئا بل يقتصر على الضروري من قوته فقط و أما الفاضل الذي هو بالحقيقة فاضل و هو الذي إذا رأسهم قدّر أفعالهم و سدّدها نحو السعادة فهم لا يرئّسونه. و إذا اتفق أن رأسهم فهو بعد إما مخلوع و إما مقتول و إما مضطرب الرئاسة منازع فيها. و كذلك سائر المدن الجاهلة: إنما تريد كل واحدة منها أن يرأسها من يوطئ لها متخيرها و شهواتها و يسهّل لهم السبيل إليها و ينيلهم إياها و يحفظها عليهم. فهم يأبون رئاسة الأفاضل و ينكرونها. إلا أن إنشاء المدن الفاضلة و رئاسة الأفاضل يكون من المدن الضرورية و من المدن الجماعية من بين مدنهم أمكن و أسهل ...» انتهی کلام الفارابی. حقیقتا کلام فارابی در اینجا متضمّن نکات بسیار مهمّی است که شرح آن نیازمند مباحث مفصّل است. علاقه مندان را به تدبّر بیشتر در کلام ایشان دعوت میکنم. خطورات نافع هنگام مطالعه کلام ایشان زیاد بود که از ذکر آن به دلیل طولانی شدن بحث چشم پوشی کردم.
#مدرنیته
#دین